فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (20):

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر سعة مملكته وتمام علمه وشمول قدرته أتبع ذلك الدلالة عليه بقصة بني إسرائيل في استنقاذهم من أسر العبودية والرق وإعلاء شأنهم وإيراثهم أرض الجبارين بعد إهلاك فرعون وجنوده وغير ذلك مما تضمنته القصة، إظهارًا- بعدم ردهم إلى مصر التي باد أهلها- لتمام القدرة وسعة الملك ونفوذ الأمر وهي مع ذلك دالة على نقضهم الميثاق وقساوتهم ونقض ما ادعوه من بنوتهم ومحبتهم، وذلك أنها ناطقة بتعذيبهم وتفسيقهم وتبرئهم من الله، ولا شيء من ذلك فعل حبيب ولا ولد، فقال عاطفًا على نعمة في {واذكروا نعمة الله عليكم} [المائدة: 7] تذكيرًا لهذه الأمة بنعمة التوثيق للسمع والطاعة التي أباها بنو إسرائيل بعدما رأوا من الآيات، وبما كف عنهم على ضعفهم وشجع به قلوبهم، وألزمهم الطاعة وكره إليهم المعصية بضد ما فعل ببني إسرائيل- وغير ذلك مما يرشد إليه إنعام النظر في القصة: {وإذ} أي واذكروا حين {قال موسى لقومه} أي من اليهود {يا قوم اذكروا} أي بالقلب واللسان، أي ذكر اعتبار واتعاظ بما لكم من قوة القيام بما تحاولونه ليقع منكم الشكر {نعمة الله} أي إنعام الملك الأعظم الذي له الإحاطة بالجلال والإكرام، وعبر عن الإنعام بالغاية لأنها المقصود {عليكم} وعظم ذلك التذكير بالاسم الأعظم، ونبه بذكر ظرفها على أجل النعم، وهي النبوة المنقذة لهم من النار فقال: {إذ} أي حين {جعل فيكم} وبشرهم بمن يأتي بعده من الأنبياء من بني إسرائيل فجمع جمع الكثرة في قوله: {أنبياء} أي يحفظونكم من المهالك الدائمة، ففعل معكم- بذلك وغيره من النعم التي فضلكم بها على العالمين في تلك الأزمان- فعل المحب مع حبيبه والوالد مع ولده، ومع ذلك عاقبكم حين عصيتم، وغضب عليكم إذ أبيتم، فعلم أن الإكرام والإهانة دائران بعد مشيئته على الطاعة والمعصية.
ولما نقلهم من الحيثية التي كانوا فيها عبيدًا لفرعون، لا يصلحون معها لملك، ولا تحدثهم أنفسهم به، إلى حيثية الحرية القابلة لأن يكون كل منهم معها ملكًا بعد أن أرسل فيهم رسولًا وبشر بأنه يتبعه من الأنبياء ما لم يكن في أمة من الأمم غيرهم، قال: {وجعلكم ملوكًا} أي فكما جعلكم كذلك بعد ما كنتم غير طامعين في شيء منه، فقد نقله منكم وجعله في غيركم بتلك القدرة التي أنعم عليكم بها، وذلك لكفركم بالنعم وإيثاركم الجهل على العلم، فإنكاركم لذلك وتخصيص النعم بكم تحكم وترجيح بلا مرجح، ويوضح ذلك أن كفر النعمة سبب لزوالها، وقد كانوا يهددون في التوراة وغيرها بما هم فيه الآن من ضرب الذلة والمسكنة التي لا يصلحون معها لملك إن هم كفروا- كما سيأتي بعض ذلك في هذه السورة.
ولما ذكرهم تعالى بما ذكرهم به من النعم العامة، أتبعه التذكير بنعمة خاصة فقال: {وآتاكم ما لم يؤت} أي في زمانكم ولا فيما قبله من سالف الزمان- كما اقتضاه التعبير بلم {أحدًا من العالمين} من الآيات التي أظهرها على يد موسى عليه السلام، فأخرجكم بها من الظلمات إلى النور، والكتاب الذي جعله تبيانًا لكل شيء. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن وجه الاتصال هو أن الواو في قوله: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} واو عطف، وهو متصل بقوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ الله ميثاق بَنِى إسراءيل} [المائدة: 12] كأنه قيل: أخذ عليهم الميثاق وذكرهم موسى نعم الله تعالى وأمرهم بمحاربة الجبارين فخالفوا في القول في الميثاق، وخالفوه في محاربة الجبارين. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{جبارين} بالإمالة: قتيبة ونصير وأبو عمرو حيث كان {فلا تاس} بغير همزة حيث وقعت: أبو عمرو ويزيد والأعشى وورش وحمزة في الوقف.

.الوقوف:

{ملوكًا} ز {جبارين} ق قد قيل لشبهة الابتداء بأن ولكن كسر ألف «إن» بمجيئه بعد القول معطوفًا على الأول. {حتى يخرجوا منها} ج لابتداء الشرط مع فاء التعقيب. {داخلون} o {الباب} ج لذلك. {غالبون} o {مؤمنين} o {قاعدون} o {الفاسقين} o {سنة} ج لأنها تصلح ظرفًا للتيه بعده والتحريم قبله {الفاسقين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

إنه تعالى منّ عليهم بأمور ثلاثة:
أولها: قوله: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء} لأنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء، فمنهم السبعون الذين اختارهم موسى من قومه فانطلقوا معه إلى الجبل، وأيضًا كانوا من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهؤلاء الثلاثة بالاتفاق كانوا من أكابر الأنبياء، وأولاد يعقوب أيضًا كانوا على قول الأكثرين أنبياء، والله تعالى أعلم موسى أنه لا يبعث الأنبياء إلاّ من ولد بعقوب ومن ولد إسماعيل، فهذا الشرف حصل بمن مضى من الأنبياء، وبالذين كانوا حاضرين مع موسى، وبالذين أخبر الله موسى أنه سيبعثهم من ولد يعقوب وإسماعيل بعد ذلك، ولا شك أنه شرف عظيم.
وثانيها: قوله: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} وفيه وجوه:
أحدها: قال السدي: يعني وجعلكم أحرارًا تملكون أنفسكم بعد ما كنتم في أيدي القبط بمنزلة أهل الجزية فينا، ولا يغلبكم على أنفسكم غالب.
وثانيها: أن كل من كان رسولًا ونبيًا كان ملكًا لأنه يملك أمر أمته ويملك التصرف فيهم، وكان نافذ الحكم عليهم فكان ملكًا، ولهذا قال تعالى: {فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54].
وثالثها: أنه كان في أسلافهم وأخلافهم ملوك وعظماء، وقد يقال فيمن حصل فيهم ملوك: أنتم ملوك على سبيل الاستعارة.
ورابعها: أن كل من كان مستقلًا بأمر نفسه ومعيشته ولم يكن محتاجًا في مصالحه إلى أحد فهو ملك.
قال الزجاج: الملك من لا يدخل عليه أحد إلاّ بإذنه.
وقال الضحاك: كانت منازلهم واسعة وفيها مياه جارية، وكانت لهم أموال كثيرة وخدم يقومون بأمرهم، ومن كان كذلك كان ملكًا.
والنوع الثالث: من النعم التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله: {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} وذلك لأنه تعالى خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام: أحدها: أنه تعالى فلق البحر لهم، وثانيها: أنه أهلك عدوهم وأورثهم أموالهم، وثالثها: أنه أنزل عليهم المن والسلوى، ورابعها: أنه أخرج لهم المياه العذبة من الحجر، وخامسها: أنه تعالى أظلل فوقهم الغمام، وسادسها: أنه لم يجتمع لقوم الملك والنبوّة كما جمع لهم، وسابعها: أنهم في تلك الأيام كانوا هم العلماء بالله وهم أحباب الله وأنصار دينه.
واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكرهم هذه النعمة وشرحها لهم أمرهم بعد ذلك بمجاهدة العدو. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا}.
اختلفوا في معنى الملوك.
فروى أبو الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكًا».
وقال ابن عباس ومجاهد والحسن والحكم: من كان له بيت وخادم وامرأة فهو ملك.
وقال أبو عبد الرحمن: قال: سمعت عبد اللّه بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال: ألسنا من فقداء المهاجرين؟ فقال له عبد اللّه: ألك إمرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: إنّ لي خادمًا ومالًا. قال: فأنت من الملوك.
وروى أبو عبلة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أصبح معافى في بدنه آمنًا في سربه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، يابن جعشم يكفيك منها ما يسدّ جوعك ويواري عورتك فإن كان بيت يواريك فذاك، وإن كان دابة تركبها فبخ، فلق الخبز وماء البحر وما فوق ذلك حساب عليك».
وقال الضحّاك: كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعًا وفيه ماء جار فهو ملك.
وقال قتادة: كانوا أول من ملك الخدم وأول من سخّر لهم الخدم من بني آدم.
قال السدّي: يعني وجعلكم أحرارًا تملكون أنفسكم بعد أن كنتم في أيدي القبط بمنزلة أهل الجزية فينا فأخرجكم اللّه من الذّل {وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن العالمين} يعني عالمي من غيركم.
وقال مجاهد: يعني المن والسلوى والحجر والغمام {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ} اختلفوا في الأرض المقدسة ما هي.
فقال مجاهد: هي الطور وما حوله. وقال الضحّاك: هي إيليا وبيت المقدس الحرام محرم مقداره، السماوات والأرض بيت المقدس مقدّس مقداره من السماوات والأرض.
عكرمة والسدّي وابن زيد: هي أريحا.
الكلبي: دمشق وفلسطين وبعض الأردن.
قتادة: هي الشام كلها.
قال زيد بن ثابت: بينما نحن حول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يؤلف القرآن من الرقاع إذ قال: «طوبى للشام» قيل: يا رسول اللّه ولم ذاك؟ قال: «إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم».
نصير بن علقمة الحمصي عن جبير بن نقير عن عبد اللّه بن حوالة قال: كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «واللّه لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح اللّه أرض فارس والرّوم وأرض حمْير وحتى تكونوا أجنادًا ثلاثة، جندًا بالشام، وجندًا بالعراق وجندًا باليمن».
فقال ابن حوالة: يا رسول اللّه إن أدركني ذلك، قال: «اختر لك الشام فإنها صفوة اللّه من بلادكم وإليها يجتبي صفوته من عباده، يا أهل الإسلام فعليكم بالشام فإن صفوة اللّه من الأرض الشام فمن أبى فليلحق بيمينه وليستق من غدره إن اللّه قد تكفّل لي بالشام وأهله». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِذ جعل فيكم أنبياء} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم السبعون الذين اختارهم موسى، وانطلقوا معه إِلى الجبل، جعلهم الله أنبياء بعد موسى، وهارون، وهذا قول ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: أنهم الأنبياء الذين أُرْسِلوا من بني إِسرائيل بعد موسى، ذكره الماوردي.
وبماذا جعلهم ملوكًا؟ فيه ثمانية أقوال:
أحدها: بالمن والسلوى والحجر.
والثاني: بأن جعل للرجل منهم زوجةً وخادمًا.
والثالث: بالزوجة والخادم والبيت، رويت هذه الثلاثة عن ابن عباس، وهذا الثالث اختيار الحسن، ومجاهد.
والرابع: بالخادم والبيت، قاله عكرمة.
والخامس: بتمليكهم الخدم، وكانوا أول مَن تملَّك الخدم، ومن اتخذ خادمًا فهو ملك، قاله قتادة.
والسادس: بكونهم أحرارًا يملك الإِنسان منهم نفسه وأهله وماله، قاله السدّي.
والسابع: بالمنازل الواسعة، فيها المياه الجارية، قاله الضحاك.
والثامن: بأن جعل لهم الملك والسلطان، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين.
أحدهما: أنهم قوم موسى، وهذا مذهب ابن عباس، ومجاهد.
قال ابن عباس: ويعني بالعالمين: الذين هم بين ظهرانيهم.
وفي الذي آتاهم ثلاثة أقوال:
أحدها: المن والسّلوى والحجر والغمام، رواه مجاهد عن ابن عباس وقال به.
والثاني: أنه الدار والخادم والزوجة، رواه عطاء عن ابن عباس.
قال ابن جرير: ما أُوتي أحد من النِّعم في زمان قوم موسى ما أُوتوا.
والثالث: كثرة الأنبياء فيهم، ذكره الماوردي.
والثاني: أن الخطاب لأُمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب سعيد بن جبير، وأبي مالك. اهـ.